آخر تحديث للموقع : الثلاثاء - 26 نوفمبر 2024 - 06:58 م

مقالات


القضية الجنوبية ؛ إلى أين؟

الإثنين - 19 ديسمبر 2022 - الساعة 02:06 ص

ياسين سعيد نعمان
الكاتب: ياسين سعيد نعمان - ارشيف الكاتب




بعد حرب ١٩٩٤ توزعت قيادات الحزب الاشتراكي اليمني والقيادات الجنوبية على المنافي في عدد من البلدان العربية والاجنبية ، وصودرت ممتلكاتها ومساكنها ، انخرط كثيرون فيما عرف بحركة "موج"، واستقر نائب الرئيس في عمان وبقي على تواصل مع بعض قيادات الحزب في الخارج ، وواصل آخرون التزامهم للحزب . أخذت سلطة الحرب تعيد بناء علاقاتها بترسيم الحدود بموجب اتفاقية ١٩٣٤ مع المملكة العربية السعودية .
في هذه الفترة تم إعلان إنهاء "موج" ، وغادر النائب مسقط ، وقام الرئيس صالح بزيارات متكررة للامارات العربية المتحدة ، طلب في إحداها من السلطات الإماراتية أن يلتقي ببعض القيادات التي استقرت في الامارات والتي بلغ عددها ما يقارب الستين أو السبعين قيادياً مع أسرهم وأبنائهم ، وفعلاً ذهبنا للقائه حوالي أربعة أشخاص وكان ذلك بحضور المرحوم محسن العيني ، لم يكن لديه ما يقوله سوى أنه طلب مننا العودة ، وكأنه يسجل موقف "متصالح" أمام الاماراتيين ، وكان كعادته يختار موضوعاً للحديث وينتقل منه إلى آخر . لم يخلص اللقاء الى نتيجة . في اللقاء الثاني وكان بعد ثلاث سنوات من اللقاء الأول ، وكان بناءً على طلبه من سلطات الامارات أن يكون مع الجميع . حضر الجميع تقريباً اللقاء ، انتظرنا أن يكون هناك نقاش من نوع ما ، لكن اتضح لنا أن المقصود هو اقناع الاماراتيين بإنهاء الاستضافة وهو الأمر الذي كانت تعمل عليه قيادة صنعاء بقوة من خلال المتابعة بالرسائل الدبلوماسية للسلطات الإماراتية والتي كانت تنص على أن بقاء هذه القيادات في الامارات يضع العلاقة الثنائية بين البلدين على المحك .
تركت السلطات الاماراتية للنازحين فيها حرية البقاء أو المغادرة دون أي ضغوط ، التقى بعدد منا الشيخ محمد زايد عام ٢٠٠٢ وكان رئيساً للاركان وقال أنتم في بلدكم ، نريد أن نعرف فقط مَن مِن القيادات الموجودة هنا لا تستطيع العودة وأن حياتها معرضة للخطر ، وهل ممكن الاتفاق على بقاء هذه القيادات المحدودة فقط ؟ ( كان قد حددها باثني عشر ) . شكرناه على الاستضافة ، وقلنا له لم نجد في هذا البلد إلا كل خير ، لكننا لا نستطيع أن نقوم بمثل هذا التحديد فجميع القيادات السياسية والعسكرية المستضافة في بلدكم الشقيق هي قيادات مهمة وتعرضت للقهر والظلم وهي معرضة للملاحقة ، ونرى أن يترك التقدير لكل واحد منهم فيما يخص أمنه الشخصي .. كما أننا لا نريد أن نتسبب لكم في أي إحراج ، ولا نريد أن يكون بقاؤنا سبباً في تعطيل مصالح بلدكم .
بعد ذلك ، هناك من قرر المغادرة الى أوروبا وأمريكا ، وهناك من قرر العودة الى اليمن ، وهناك في بقي في الامارات ولكن بدون استضافة . وكنا ضمن من قرر العودة الى اليمن .
أخذ الحراك السياسي يتسع وينضج
ميكانيزماته بالاستناد الى الدوافع السياسية والاجتماعية والحقوقية التي تفاعلت معاً لتضع القضية في إطار شعبي واسع . وكغيرها من الحركات الاجتماعية التاريخية أخذت تشتعل بتجاذبات لا تتوقف عند أهداف بذاتها ، بل راحت تتصاعد بخطاب أعلى وآخر معتدل . وأدت هذه التجاذبات إلى خلق تحديات حقيقية أمام القضية من خلال محاولة بلورة هوية "خاصة" صدامية مع ما كان قد ترسخ في الوعي الاجتماعي من مقاربة وطنية للحل بعيداً عن أي غلو في فرض القوة ، أو الهروب إلى استعارات سياسية للتمسك بهويات لا تشكل إطاراً سياسياً ونضالياً للجميع ، بمعنى وضع "الجنوب العربي" في مواجهة مع اليمني .
لقد أقحم هذا الموضوع في المسار العام للقضية ليطرح عدداً من الاشكاليات الشائكة التي لم تكن تعني أكثر من أن هذا التوجه لا بد أن يحمله خطاب سياسي صدامي لفرز ما هو جنوبي عما هو يمني !! وهو ما أدى إلى شروخ خطيرة في الحامل السياسي للقضية الجنوبية . كما أن الخطاب الذي تحمل مسئولية هذا الفرز وجد نفسه أمام موروث سياسي وطني وتاريخي يصعب تخطيه إلا باستخدام تعبيرات صدامية أغلقت جزءاً كبيراً من مساحة المشتركات السياسية في مواجهة سلطة ما بعد الحرب التي استفادت من هذا الخطاب لتعبئ قطاعات واسعة من الشعب في مواجهة القضية بسبب هذا الخطاب .
ولم يسلم الحزب الاشتراكي من هذا الخطاب ؛ وفي حين كان البعض يحمل الحزب مسئولية ما آل إليه الجنوب بسبب الوحدة ، بل ويذهب البعض إلى ما قبل الوحدة في استعراض لا تاريخي يتجاوز حاجة القضية في مسارها الراهن والمتصاعد ، في الوقت الذي راح فيه البعض الآخر ينتقد عدم قيادة الحزب الاشتراكي لذلك الحراك ، على الرغم من أن كثيراً من قيادات الحزب انخرطت في الحراك ، وكثير منها أخذ يكيف مقارباته السياسية في ضوء معطيات الواقع الذي ينشط فيه ، إما تجنباً لأي ابتزاز قد يمارس عليه ، أو لقناعات رتبتها ظروف الشخص الخاصة ، وهو ما جعل الحزب يعيد بناء منهجه السياسي والتنظيمي ليستوعب هذا الوضع الداخلي له بكل متغيراته .
لقد شكل النضال السلمي الديمقراطي للحزب الاشتراكي سياجاً داعماً للحراك السلمي ، حيث حرص على دعمه والمشاركة فيه على أن لا يكون وصياً عليه . ظل الحزب يؤكد على أهمية الدفع بهذه التفاعلات السياسية والاجتماعية وتوسيع مساحتها ومساحة تحالفاتها وترشيد خطابها ، وكان يصر على أن ينتج الحراك قياداته الميدانية دون وصاية من أحد ، وانتقد كل محاولة لإعادة انتاج القيادات النخبوية من الأعلى بأي تسميات أو أي انتماءات كانت ..ويمكننا اليوم ، وبالوقائع ، إثبات صحة هذا الموقف .
وفي سياق متصل بمسار القضية الجنوبية ، جرى تفاعل سياسي وشعبي واسع على صعيد اليمن أكد أن النظام ، وصل إلى مأزق لم يعد فيه قادراً على مواجهة المشكلات المعقدة فلجأ إلى العنف واشعال الحروب ؛ وأخذ القمع الذي تعرضت له القضية الجنوبية يدك تجليات الصيغة الوطنية التي ظلت تبشر بها ، ويكرس على نحو مستمر صيغَ البحث عن حل للقضية بمسارات أخرى مثل فك الارتباط ، وتقرير المصير ، واستعادة الدولة .
وكان من الطبيعي أنه كلما اتجه الوضع العام نحو مواصلة إنتاج أزمة وطنية عميقة ، كلما ولدّ هذا مساحة أوسع للقضية في الوعي المجتمعي ، والتمسك بخيارات الحل الأعلى سقفاً . يتبع