آخر تحديث للموقع : السبت - 22 فبراير 2025 - 11:41 ص

مقالات


رحلة عبر الذاكرة: من المهرة إلى حضرموت وشبوة وأبين وعدن

الأربعاء - 07 أغسطس 2024 - الساعة 08:22 م

صالح شنظور
الكاتب: صالح شنظور - ارشيف الكاتب



من المهرة إلى حضرموت وشبوة ثم أبين وعدن، وفي النفس متسع لأماكن أخرى، كانت الجبال والشواطئ والأودية تلتهم السيارة كلما ولج بها السائق أكثر، وكانت عيناي تلتقط الأماكن والبقاع وتؤرشفها في الوعي، قبل أن أكون في بطونها.

في النقل الجماعي لا تبدو الرحلة شيقة، فرحلة في نقل جماعي شبيهة بسفر عبر نفق تحت الأرض، النوم هو سيد المكان، واللون القاتم هو حارسه، ولذا كان الذهاب مُنهِكا، فقررت في العودة التنقل عبر السيارات الصغيرة، التي يرتادها أبناء الطبقة العمالية محدودو الدخل، وبالعادة يكتنز هؤلاء بشعبوية الحياة، ولهجة القرى، وريح المكان، وما تزال أيديهم ملطخة بالطين، وبريئة من مقود السيارة.

من المهرة كنت برفقة سقطري، ومهري، وحضرمي، ومأربي، وأثيوبي، الأخير كان في سطح السيارة، يقود بنا ابن الديس ليلا لمدة سبع ساعات، كان لقاؤنا مع الفجر في منطقة الحامي، واحتفظ مسجد مركز السنة المحاذي للشاطئ بالركعات الأولى..

كانت مدن حضرموت أكثر تنظيما وترتيبا من أي محافظة أخرى، فالإنسان الحضرمي لم يتمكن من اعتلاء الجبال، والسيطرة عليها، فلا هو أكرمها بالمدرجات الزراعية، ولا هي أعطته الأمان والحجار، فكانت بيوته من الرمل، خلافا ليافع ومناطق الشمال.

عتق حاضرة المحافظة الثرية بالموارد الطبيعية، والمناظر السياحية، والنخيل، والعسل، ومهبط العديد من الحضارات العربية القديمة، وجدتها أكبر من ذلك، الشارع العام الذي نتداول صورته، شوارعها القديمة العتيقة التي تفوح فيها رائحة المندي قبيل الظهر، هي الأكثر إدهاشا، فحيثما يممت وجهك تجد تاريخا عريقا، كان المقام فيها ليوم، والتقيت فيها عددا من خيرة شبابها، كنت أنثر الحب والبهجة على كل شيء أشاهده فيها، أحسست بالانتماء حتى ظننت أن جدي جاء من هذه البقاع.

وها أنا الآن بعد أيام من هذه الرحلة الممتدة لأسبوع، أجد نفسي حرجا أمام كل تلك الذكريات التي لم تتح لها مشاغل الحياة فرصة ليخلدها حرفي، رغم التصاقها في عمق ذاكرتي حتى الأبد وأكثر..