آخر تحديث للموقع : الثلاثاء - 11 فبراير 2025 - 10:50 م

مقالات


بحثا عن يحيى عمر في حيدر آباد ومتحف شخصي يتحول إلى أحد أفضل متاحف الهند

الخميس - 20 أبريل 2023 - الساعة 06:03 م

 د علي صالح الخلاقي
الكاتب: د علي صالح الخلاقي - ارشيف الكاتب



خلال زيارتي القصيرة لمدينة حيدر آباد، التي لم تتعد ثلاثة أيام، حاولت أن أجد شيئاً عن الشاعر ذائع الصيت يحيى عمر اليافعي، الذي عاش في الهند قبل حوالي ثلاثة قرون. ولأن بعض من التقيناهم ذكر لنا أنه رأى شيئاً ما يخص يحيى عمر في رفوف أحد متاحف حيدر آباد، لا يذكر اسمه بالضبط.
وفي يوم ممطر، غسل شوارع المدينة وأشجارها الوارفة فبدت أكثر بهاءً وجمالاً، كانت وجهتنا في البدء أنا والزملاء آل الطفي الرائع زيد ونجله الحارث ورامز، وأبو زين السعدي، ودليلنا الحيدرأبادي سالم بن علي آل السعدي، إلى (قصر تشوماهالا) ومن أمام بوابته الضخمة عرفنا أن هذا ليس المتحف الذي نبحث فيه عن غايتنا، فاكتفينا بإلقاء نظرة عامة على بنيان القصر الرائع بفخامته وما يحيط به من مساحات تزدان بالخضرة والنوافير والبرك المائية الرائعة، ثم عدنا أدراجنا، لضيق الوقت، وبحثا عن غايتنا.
اتجهنا بعد ذلك إلى ذلك إلى متحف (سالار جونج- Salar Jung Museum)، ‏لعلنا نظفر بشيء له صلة بيحيى عمر، وعند سؤالنا عن ذلك قبيل قطع تذاكر الدخول لم نجد رداً يفيدنا بشيء، وبحثنا عند تجوالنا في المتحف عن أثر أو خيط يقودنا إلى تاريخ يحيى عمر في الهند فلم نعثر على شيء، ولعل الحظ يقودنا في المستقبل لنكتشف شيئاً عنه في غير هذا المتحف.. ومع ذلك فقد استمتعنا بجولة سريعة في أقسام هذا المتحف الفني الذي تحول من متحف شخصي إلى أحد أبرز متاحف الهند.
وصاحب الفضل في نشوء هذا المتحف هو نواب مير يوسف علي خان، أو (سالار جونغ الثالث) وكان من أبرز شخصيات عائلة سالار جونغ في حيدر أباد، وقد شغل منصب رئيس وزراء ولاية حيدر آباد، وخلال فترة توليه لرئاسة الوزراء، جمع العديد من القطع الأثرية من جميع أنحاء العالم، وكان يحتفظ بها في بيته، وبعد وفاته سنة 1949، بقيت هذه القطع الأثرية في قصر أجداده (ديفدي)، وعُرضت هناك على شكل متحف خاص سُمي متحف سالار جونغ، افتتحه جواهر لال نهرو في 16 ديسمبر 1951.
وفي 1968، انتقل المُتحف إلى موقعه الحالي بالقرب من دار الشفاء ومحكمة القضاء الأعلى، وتم افتتاحه تحت رعاية الدكتور ذاكر حسين الرئيس الأسبق للهند، وهو أول رئيس مسلم للهند حسب ما هو موضح في اللوحة التذكارية على مدخل المتحف. وأثناء نقل المتحف من ديوان ديفدي إلى موقعه الحالي سُرقت كثير من القطع، ويُعتقد أن المعروضات الحالية بالمتحف لا تُشكل سوى نصف عدد القطع الفنية الأصلية التي كان نواب مير يوسف قد جمعها في قصر أجداده.
يضم المتحف المؤلف من طابقين أكثر من 38 قاعة تحتوي على أنواع كثيرة من الفنون والمقتنيات، فهناك قاعة لصور سلالة النظام (سالار جنج) وقاعة للأسلحة وقاعة للسيوف وقاعة للساعات ، وقاعة للعملات، وقاعة للمخطوطات، وقاعات عديدة للمقتنيات من أرجاء الهند ومن الشرق وأخرى من الغرب...وهكذا دواليك.
كان الوقت أمامنا ضيقاً، فلم يتبق على موعد إغلاق المتحف سوى أقل من ساعتين، وهي فترة لا تكفي لاطلاع على كل محتويات أقسامه، ولذلك مررنا في بعض الأقسام مرور الكرام، وتوقفنا في قاعة المقتنيات النحاسية من الأباريق والصحون بتشكيلاتها الفنية الجميلة المنقوش عليها بأحرف عربية، ثم أخذت منا وقتاً أكثر صالة السيوف والخناجر والأسلحة اليدوية القديمة الأليفة إلينا التي كان أجدادنا يستخدمونها، وكانوا يستوردونها من مهجرهم الهندي، كما تؤكد ذلك المراسلات التي بين أيدينا، وما زال البعض يحتفظ بها كتراث، وقد جذبت هذه القاعة أكثر الصديق زيد الطفي، الذي توقف بنا أمام كل المعروضات وبالكاد غادرنا القاعة ليتسنى لنا استكمال الجولة في بقية القاعات الكثيرة.
أما الوقت الأكثر فاسترقته منا قاعة المخطوطات التي تضم عدداً كبيراً من المخطوطات والمصاحف المجلوبة من جميع أنحاء العالم، واسترعت اهتمامنا المخطوطات الإسلامية للقرآن الكريم بتصميماتها المختلفة والمدهشة التي تعود لأزمنة إسلامية مختلفة حينما كان الخطاطون والنساخون يؤدون دور المطابع الحديثة، فيتفننون في نسخ الكتب ويهتمون أكثر بنسخ مصاحف القرآن بأشكال وأحجام مختلفة، وما أدهشنا إننا رأينا هنا كتابة سور القرآن الكريم على قطع قماش وملابس، بحجم مصغر لم تدركه أعيننا إلا بتقريب الصورة بعدسة الكاميرا..
هنا شعرنا بعظمة الحضارة الإسلامية التي كانت حيدر آباد آخر قلاعها، وجميل أن تحافظ الهند بتنوعها الديني على مثل هذه النفائيس الحضارية من إسلامية وغيرها.
طفنا بما تبقى من الوقت في قاعات عديدة، ولفت انتباهنا المقتنيات العربية ، المصرية والسورية، التي تدل عليها ليس فقط أشكالها وإنما أيضاً الكتابات العربية لٱيات من القرٱن أو الحكم التي رأيناها على كراسي القضاة والحكام بزخارفها ونقوشها الفسيفسائية الجميلة...
وغادرنا دون أن يسعفنا الوقت للاستماع أكثر في معروضات الصالات الكثيرة التي تحتاج لعودة إليها في أية زيارة قادمة، إن شاء الله..
ولأن الشيء بالشيء يُذكر ، كما يقال، فحينما عرفت أن أساس هذا المتحف مقتنيات شخصية لأحد الحكام من أسرة (سلار جانج) الذي سُمي المتحف باسمهم، تذكرت على الفور مقتنيات المتحف الشخصي الفريد لصديقي الراحل فضل بن محمد هرهرة سليل سلاطين آل هرهرة، طيب الله ثراه، الذي خصص له غرفة في بيته بدبي وزرته مطلع 2020م، وجمع محتوياته من المخطوطات والآثار والتحف والتماثيل الأثرية ونماذج الأدوات المنزلية وأدوات العمل والعملات النقدية المسكوكة وأدوات الزينة وغيرها الكثير طوال حياته من اقطار وحضارات وعصور مختلفة، يعود بعضها إلى العصور الرومانية والفارسية وإلى حضارات ما قبل الإسلام، وتحتل الآثار والتحف والمقتنيات الإسلامية وكذلك الخاصة بالجزيرة العربية واليمن عامة ويافع خاصة حيزا كبيرا منها. وما يحز في النفس أنني رأيتها مكدسة في غرفة صغيرة تضيق بما تحتويه من المعروضات الكثيرة التي تتراكم فوق بعضها، ولو أنها عُرضت في صالات مناسبة لشكل متحفاً فريداً..
وقد غادرنا رحمة الله عليه إلى دار البقاء في يناير 2021م ولا أدري ما هو المصير الذي ينتظر مقتنيات متحفه الفريد.. وأتمنى أن تلتفت الجهات المعنية بالشأن الثقافي والآثار والتراث بهذا المتحف الفريد الذي نفتقر إلى مثله اليوم للأسف في عاصمتنا الحبيبة عدن التي تعرضت متاحفها للنهب والسرقة، وما تبقى منها أصبح موصداً أمام الزوار.
ورحم الله السلطان فضل بن هرهرة الذي قدَّم بمجهوداته الذاتية وباهتماماته الخاصة ما يجب أن تقوم به مؤسسات الدولةالثقافية.