آخر تحديث للموقع : الثلاثاء - 11 فبراير 2025 - 09:03 م
الهِدِة.. سرير النوم اليافعي العجيب
الأربعاء - 29 يناير 2025 - الساعة 06:18 م
نعم إن (الهِدة) في البيت اليافعي سرير نوم عجيب حقا، ليس كالأسرة الخشبية المتحركة التي نعرفها، بل هي ميزة تتفرد بها العمارة اليافعية دون غيرها، فهي جزء ثابت في صميم بنيان الغرفة، وتشغل جزءاً من طرف المجلس "المفرش"، فوق سقف (الخَلَّة) المخصصة لحفظ الأشياء والأمتعة، وترتفع حوالي متر ونصف عن أرضية الغرفة. وتخصص "الهدة" في الغالب لنوم الزوجين، وهي توفر الراحة والنظافة والحشمة والوقار، ففي أثناء النوم تُوضع ستارة تحجب الزوجين في الهدة عن أطفالهما الصغار الذين يتمددون للنوم في أرضية المفرش. وفي أثناء النهار يمكن أن تحفظ فيها الألحفة والفُرْش التي تُبسط لنَوم الأطفال.
ولهذا السرير العجيب نافذة رئيسية أو اثنتان، وتلفت نافذة (الهدة) نظر الزائر وهو يتطلع في واجهة البيت التقليدي من الخارج فيرى جميع نوافذه بمستوى واحد، عدا واحدة ترتفع في المسقط الرأسي بمستوى أعلى من بقية النوافذ في كل طابق، لكن استغرابه يزول مباشرة حين يعرف أن تلك النافذة المرتفعة مباشرة تحت خط بناء السقف هي خاصة بسرير النوم الزوجي وتتناسب مع ارتفاع (الْهِدِهْ) الواضح عن مستوى المفرش، وقد يكون للهِدة نافذتان في بعض البيوت من جهتين مختلفتين للرؤية والتهوية، ويمكن للمرء أثناء استرخائه للنوم أو عند نهوضه أن يرى من خلالها ما يدور في الخارج بدون عناء.
وكانت الهدة تُفرش بالألحفة وبُسط النوم المؤلفة من منسوجات صوف الأغنام ومصنوعات جلدية محلية أهمها (الخُطَّة، الفَريقة، البجاد، المثني) وتستخدم حسب الحاجة لها بما يتناسب مع درجة الحرارة أو البرودة، ثم جاءت البدائل الصناعية المستوردة في وقتنا الراهن. وبعض المفارش في البيوت القديمة (العَدَيل) تضم هِدتَيْن، إحداهما في أعلى المفرش بدون حمام، والأخرى في الأسفل بجانبها حمام. وفي بعض الحالات تكون في سقف الحمام فتحة إلى جهة الهِدِة فيُتخذ منها سريراً للطفل بالقرب من أبويه.
وكانت (الهدة) تُستخدم أيضاً منصةً تتربع فيها العروس في يوم زينتها ثالث أيام الزفاف وهو ما يُعرف بيوم (البِرَاكْ)، فتبدو بهيئتها وزينتها كالملكة المتوجة تجلس على أريكتها وعلى رأسها أكاليل الزينة، وفي هذه المناسبة يراها الناس بدور الزوجة لأول مرة. ويقال في أمثال اليافعيين"بنت العم نَزَلَه من على الهِدِه" ويضرب في أحقية ابن العم بالزواج من ابنة عمه، حسب العُرف القَبَلي الذي كان سائداً في الماضي.
******
من كتابي (فنون العمارة الحجرية في بلاد يافع)..