آخر تحديث للموقع : الثلاثاء - 26 نوفمبر 2024 - 07:35 م

مقالات


شبوة... دِيرة النوابغ!

الأربعاء - 04 أكتوبر 2023 - الساعة 05:13 م

صقر الهدياني
الكاتب: صقر الهدياني - ارشيف الكاتب




ليستْ مجرّد صحراء في بطونها النفط والغاز والمعادن فقط، شبوة إن لم تكن عمود التاريخ الجنوبي منذُ الأزل، فهي إذن ذوره سنامه.
لا زلتُ أؤمن كل الإيمان أنَّ شبوة رغم كل التنوّع الحضاري، والموروث الثقافي الذي قدمته، لا زالتْ تُخبئ لنا الكثير من المفاجئات المُغلّفة بالدهشة والألق، لربما كل الذي رأيناه من قبل مجرّد بسملة قبل الغزو!
تُثبت شبوة يومًا بعد يوم أنّها محور ٱرتكاز ونقطة بدء انطلقت منها البداية ولا زالت قادرة على تقديم نموذج مشرّف ومتنوع في محتواه، إن الإنسان الشبواني بطبيعته يشير إلى أنه غني كأرضه، في جوهره ماهو بحاجة لتنقيب الذات حتى يحصل على ما يؤهله للبقاء الوافر، كما تتنوع شبوة بمحتواها من معادن هامة؛ وموروث حضاري بقايا الحضارات التي شيدت تاريخها في قرى شبوة وسهولها وصحاريها؛ يتنوّع الشبواني بطبيعة التربية الخالصة والمُنقّاة على السليقة التي أكسبته كثافة الذات في تجلّيها أمام الحياة.

شبوة اسم كبير حاضر في مقدمة الوجهات، الثقافية، الحضارية، العلمية، الفنية، الأدبية... لكونها أرض نقيضة في ذاتها، صحراء ووادي، جبل وسهل، بحر وشاطئ، بادية وحضر!
هذه النقائض صنعت إنسان متعدد المجالات، صارخٌ بوجه الحياة الكادحة هنا، لربما هي المعاناة حقًا من تُولّد الإبداع!
على الرغم أن شبوة كثيفة ومتعددة في تألقها رغم قساوة واقعها، لكن القليل من الاهتمام والجدية يصوغان كادرًا باذخ العطاء في مجاله، منذ القدم وشبوة خصبة الشاعرية، تكثّف الشعر الشعبي النبطي فيها وصارت الرقم واحد، لدرجة أن لدي إيمان يقين، لو أخذت حجرًا ورميت بها في شبوة؛ لأصبت شاعرًا. ليس هذا فحسب، حتى الشعر العربي الفصيح، سواء حر أو عمودي، تتفرّد شبوة بشعراء الفصاحة حاليًا وأُشير أنها الأولى. ليس هذا فحسب، حتى في السرد الفصيح، قصة وموضوعية شبوة كثيفة بعروبيتها، والجدير بالذكر أنَّ إناث من شبوة شاعرات، ساردات، على الصعيد الأدبي ناضجات تمامًا. هذا بحكم تواجدي في الوسط الأدبي وجدتُ شبوة حاضرة هكذا.

دونما شك في افتكاك شبوة للصدارة تقدّم شكلًا فنيًا مُلفتًا للغاية، كَثُر فنانوها وذادوا بطربهم وجهًا مُشرقًا متميزين عن غيرهم.
كما نشير أيضًا للجانب السياسي حيث شبوة هي الأكثر أهمية بمحنكيها، الشخصية القيادية والكاريزما لدى السياسي الشبواني متميّز للغاية، أكفّاء في تولي زمام أمور دولية، وقد عرفنا الكثير من مشاهير هذا المجال، بالأخص الإعلام والتحليل السياسي بدءًا من الأستاذ/ أحمد عمر بن فريد العولقي، وأحمد صالح العولقي، وسالم ثابت العولقي.. حازتْ شبوة على نسبة كبيرة في التنظير السياسي وهو الأنشط الآن.
لكن تبقى ثمّة مشكلتين أساسيتين تعرقلان شبوة من تقدمها دونما اضطراب، هذه المشكلتان جعلتا شبوة عالقة في مشاكلها الداخلية الخاصة، وأخّرت من عجلة انطلاقها للإمام.
الأولى؛ مشكلة التعليم. وهي المشكلة الأساس في تطوير الشعوب أو عرقلتها، إذا ما التزم الإنسان بمواصلة مسيرته التعلمية، سيصل إلى مستوى محدود من الحياة ثم ينكمش. نادرًا ما تجد أبناء شبوة يواصلون التعليم في الجامعات بعد مرحلة الثانوية، يكتفون بما هم عليه ويذهبون نحو ما اعتادوا عليه في اعتمادهم على مصادر الدخل، لا أعلم ما السبب وراء توقف نَفَس الطالب الشبواني في المسيرة العلمية، أبدًا ليس الفشل، أعرف أبناء شبوة لديهم ذكاء فطري بمقدرتهم المنافسة، لكن ثمّة عادة توارثوها هكذا على الأرجح، أو ربما الظروف المادية هي السبب الرئيس!
لكن هذه المشكلة (التعليم) يمكن تجاوزها، الأدلة الحاضرة تُشير إلى تحسُّن الوضع التعليمي في واقع شبوة وأنها مُقبلة غير مُدبرة على التعليم.
الثانية؛ وهي (الثأر) وهذه المشكلة الأخطر، إذ ظلّتْ ولا زالتْ شبوة كمجتمع قبلي أو بدوي، غارقة في اقتتالاتها الطائشة، فاقدة للعقلانية إزاء تحكيم البصيرة وقت الحميّة، مما جعلها تاريخيًا مجتمع "قاتل ومقتول" متواتر جذريًا، هذا أكثر شيء دمّر شبوة، وليس بمقدورهم الخروج من هذه الأزمة بسهولة مالم يتكاتفوا جميعًا لإيجاد الحلول.
مشكلة (الطارف غريم) مؤلمة جدًا، جميعنا نتألم لحال شبوة إزاء هذه العقلية الطائشة، حتى الإنسان الشبواني نفسه يمقت هذه السلبية المتأصلة، ويبحث عن حلول لتجاوز المرحلة الخانقة.
لا خوف، ما دام الشبواني نشيط باستمرار يطوّر من نفسه ويحاول سد ثغرات السلبية فيه، وهذه أجمل صفة فيهم. أي النشاط والحراك الثقافي والعلمي، والاشتغال على الذات.

ليلة هانئة يا أصحاب شبوة♥️♥️.